فصل: (سورة الحج: آية 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الحج: الآيات 11- 13]:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَانَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالآخرةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)}.
{عَلى حَرْفٍ} على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه. وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم، لا على سكون وطمأنينة، كالذي يكون على طرف من العسكر، فإن أحسّ بظفر وغنيمه قرّ واطمأن، وإلا فرّ وطار على وجهه. قالوا: نزلت في أعاريب قدموا المدينة، وكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهرا سريا، وولدت امرأته غلاما سويا، وكثر ماله وماشيته قال: ما أصبت منذ دخلت في دينى هذا إلا خيرا، واطمأن. وإن كان الأمر بخلافه قال: ما أصبت إلا شرا، وانقلب. وعن أبى سعيد الخدري أن رجلا من اليهود أسلم فأصابته مصائب، فتشاءم بالإسلام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلنى، فقال «إنّ الإسلام لا يقال» فنزلت. المصاب بالمحنة بترك التسليم لقضاء اللّه والخروج إلى ما يسخط اللّه.
جامع على نفسه محنتين، إحداهما: ذهاب ما أصيب به. والثانية: ذهاب ثواب الصابرين، فهو خسران الدارين. وقرئ: {خاسر الدنيا والآخرة} بالنصب والرفع، فالنصب على الحال، والرفع على الفاعلية. ووضع الظاهر موضع الضمير، وهو وجه حسن. أو على أنه خبر مبتدإ محذوف. استعير {الضَّلالُ الْبَعِيدُ} من ضلال من أبعد في التيه ضالا، فطالت وبعدت مسافة ضلالته. فإن قلت: الضرر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين، وهذا تناقض.
قلت: إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم، وذلك أن اللّه تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جمادا لا يملك ضرا ولا نفعا، وهو يعتقد فيه بجهله وضلاله أنه يستنفع به حين يستشفع به، ثم قال: يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ، حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها، ولا يرى أثر الشفاعة التي ادعاها لها {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} أو كرّر يدعو، كأنه قال: يدعو يدعو من دون اللّه ما لا يضره وما لا ينفعه، ثم قال: لمن ضره بكونه معبودا أقرب من نفعه بكونه شفيعا لبئس المولى. وفي حرف عبد اللّه: من ضره، بغير لام. المولى: الناصر. والعشير: الصاحب، كقوله: {فَبِئْسَ الْقَرِينُ}.

.[سورة الحج: الآيات 14- 15]:

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (14) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالآخرةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (15)}.
هذا كلام قد دخله اختصار. والمعنى. إن اللّه ناصر رسوله في الدنيا والآخرة، فمن كان يظنّ من حاسديه وأعاديه أن اللّه يفعل خلاف ذلك ويطمع فيه، ويغيظه أنه يظفر بمطلوبه، فليستقص وسعه وليستفرغ مجهوده في إزالة ما يغيظه، بأن يفعل ما يفعل من بلغ منه الغيظ كل مبلغ حتى مدّ حبلا إلى سماء بيته فاختنق، فلينظر وليصوّر في نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر اللّه الذي يغيظه؟ وسمى الاختناق قطعا لأنّ المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه.
ومنه قيل للبهر: القطع. وسمى فعله كيدا لأنه وضعه موضع الكيد، حيث لم يقدر على غيره. أو على سبيل الاستهزاء لأنه لم يكد به محسوده إنما كاد به نفسه. والمراد: ليس في يده إلا ما ليس بمذهب لما يغيظه. وقيل: فليمدد بحبل إلى السماء المظلة. وليصعد عليه فليقطع الوحى أو ينزل عليه. وقيل: كان قوم من المسلمين لشدّة غيظهم وحنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد اللّه رسوله من النصر، وآخرون من المشركين يريدون اتباعه ويخشون أن لا يثبت أمره. فنزلت. وقد فسر النصر: بالرزق، وقيل: معناه أن الأرزاق بيد اللّه لا تنال إلا بمشيئته ولابد للعبد من الرضا بقسمته، فمن ظنّ أن اللّه غير رازقه وليس به صبر واستسلام، فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق، فإن ذلك لا يقلب القسمة ولا يردّه مرزوقا.

.[سورة الحج: آية 16]:

{وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)}.
أى: ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله {آياتٍ بَيِّناتٍ وَ} لـ {أَنَّ اللَّهَ يَهْدِي} به الذين يعلم أنهم يؤمنون. أو يثبت الذين آمنوا ويزيدهم هدى، أنزله كذلك مبينا.

.[سورة الحج: آية 17]:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)}.
الفصل مطلق يحتمل الفصل بينهم في الأحوال والأماكن جميعا، فلا يجازيهم جزاء واحدا بغير تفاوت، ولا يجمعهم في موطن واحد. وقيل: الأديان خمسة: أربعة للشيطان وواحد للرحمن. جعل الصابئون مع النصارى لأنهم نوع منهم. وقيل {يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} يقضى بينهم، أى بين المؤمنين والكافرين. وأدخلت إِنَّ على كل واحد من جزأى الجملة لزيادة التوكيد.
ونحوه قول جرير:
إنّ الخليفة إنّ اللّه سربله ** سربال ملك به ترجى الخواتيم

.[سورة الحج: آية 18]:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الأرض وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدواب وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (18)}.
سميت مطاوعتها له فيما يحدث فيها من أفعاله ويجريها عليه من تدبيره وتسخيره لها: سجودا له، تشبيها لمطاوعتها بإدخال أفعال المكلف في باب الطاعة والانقياد، وهو السجود الذي كل خضوع دونه، فإن قلت: فما تصنع بقوله: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} وبما فيه من الاعتراضين، أحدهما:
أنّ السجود على المعنى الذي فسرته به، لا يسجده بعض الناس دون بعض. والثاني: أنّ السجود قد أسند على سبيل العموم إلى من في الأرض من الإنس والجن أولا، فإسناده إلى كثير منهم آخرا مناقضة؟ قلت: لا أنظم كثيرا في المفردات المتناسقة الداخلة تحت حكم الفعل، وإنما أرفعه بفعل مضمر يدل عليه قوله: {يَسْجُدُ} أى ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة.
ولم أقل: أفسر يسجد الذي هو ظاهر بمعنى الطاعة والعبادة في حق هؤلاء، لأنّ اللفظ الواحد لا يصحّ استعماله في حالة واحدة على معنيين مختلفين، أو أرفعه على الابتداء والخبر محذوف وهو مثاب، لأنّ خبر مقابله يدل عليه، وهو قوله: {حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ} ويجوز أن يجعل {مِنَ النَّاسِ} خبرا له، أى: من الناس الذين هم الناس على الحقيقة وهم الصالحون والمتقون. ويجوز أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب، فيعطف كثير على كثير، ثم يخبر عنهم بحقّ عليهم العذاب، كأنه قيل: وكثير وكثير من الناس حق عليهم العذاب، وقرئ: {حق} بالضم. وقرئ: {حقا} أى حقّ عليهم العذاب حقا. ومن أهانه اللّه- بأن كتب عليه الشقاوة لما سبق في علمه من كفره أو فسقه- فقد بقي مهانا، لن تجد له مكرما. وقرئ: {مكرم} بفتح الراء بمعنى الإكرام.
إنه {يَفْعَلُ} ما يَشاءُ من الإكرام والإهانة، ولا يشاء من ذلك إلا ما يقتضيه عمل العاملين واعتقاد المعتقدين. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {يا أيها الناس اتقوا ربكم}.
يعني احذروا عقابة واعملوا بطاعته {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} الزلزلة شدة الحركة على الحال الهائلة ووصفها بالعظم ولا شيء أعظم مما عظمه الله تعالى.
قيل: هي من أشراط الساعة قبل قيامها.
وقال ابن عباس: زلزلة الساعة قيامها فتكون معها {يوم ترونها} أي الساعة وقيل الزلزلة {تذهل} قال ابن عباس تشغل وقيل تنسي {كل مرضعة عما أرضعت} أي كل امرأة معها ولد ترضعه {وتضع كل ذات حمل حملها} أي تسقط من هول ذلك اليوم كل حامل حملها قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها بغير تمام.
فعلى هذا القول تكون الزلزلة في الدنيا لأن بعد البعث لا يكون حبل ومن قال تكون الزلزلة في القيامة قال هذا على وجه تعظيم الأمر وتهويله على حقيقته كما تقول أصابنا أمر يشيب فيه الوليد تريد به شدته {وترى الناس سكارى} على التشبيه {وما هم بسكارى} على التحقيق ولَكِن ما رهقهم من خوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم وأزال تمييزهم وقيل سكارى من الخوف وما هم بسكارى من الشراب {ولَكِن عذاب شديد} [ق] عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله سبحانه وتعالى يوم القيامة يا آدم فيقول لبيك وسعديك».
زاد في رواية «والخير في يديك فينادى بصوت إن الله تعالى يأمرك أن تخرج من ذريتك بعث النار قال رب وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فحينئذٍ تضع الحوامل، ويشيب الوليد وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولَكِن عذاب الله شديد فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم» زاد في رواية «قالوا يا رسول الله أينا ذلك الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يأجوج وماجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود وفي رواية كالرقمة في ذراع الحمار وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة. فكبّرنا ثم قال: ثلث أهل الجنة فكبّرنا ثم قال شطر أهل الجنة فكبّرنا» لفظ البخاري.
وفي حديث عمران بن حصين وغيره أن هاتين الآيتين نزلتا في غزوة بني المصطلق ليلًا فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحثوا المطى حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم فلم ير أكثر باكيًّا من تلك الليلة، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا والناس من بين باكٍ وجالس متفكر.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي يوم ذلك قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذلك يوم يقول الله لآدم قم فابعث من ذريتك بعث النار» وذكر نحو حديث أبي سعيد وزاد فيه ثم قال «يدخل من أمتي سبعون ألفًا الجنة بغير حساب فقال عمر: سبعون ألفًا؟ قال: نعم قال ومع كل واحد سبعون ألفًا».
قوله عز وجل: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} نزلت في النضر بن الحارث كان كثير الجدل وكان يقول للملائكة بنات الله والقران أساطير الأولين وكان ينكر البعث وإحياء من صار ترابًا {ويتبع} يعني في جداله في الله بغير علم {كل شيطان مريد} يعني المتمرد والمستمر في الشر وفيه جهان أحدهما: أنهم شياطين الإنس وهم رؤساء الكفر الذين يدعون من دونهم إلى الكفر والثاني أنه إبليس وجنوده {كتب عليه} يعني قضى على الشيطان {أنه من تولاه} يعني اتبعه {فإنه} يعني الشيطان {يضله} يعني يضل من تولاه عن طريق الجنة {ويهديه إلى عذاب السعير} وفي الآية زجر عن اتباعه والمعنى كتب عليه أنه من يقبل منه فهو في ضلال ثم ألزم الحجة منكري البعث فقال: {يا آيها الناس إن كنتم في ريب} يعني شك {من البعث} يعني بعد الموت {فإنّا خلقناكم من تراب} يعني أباكم آدم الذي هو أصل النسل {ثم من نطفة} يعني ذريته من المني وأصلها الماء القليل {ثم من علقة} يعني من دم جامد غليظ وذلك أنّ النطفة تصير دمًا غليظًا {ثم من مضغة} وهو لحمة قليلة قدر ما يمضغ {مخلقة وغير مخلقة}.
قال ابن عباس: أي تامة الخلق وغير تامة الخلق وقيل مصورة وغير مصورة وهو السقط.
وقيل: المخلقة الولد الذي تأتي به المرأة لوقته وغير المخلقة السقط فكأنه سبحانه وتعالى قسم المضغة إلى قسمين أحدهما تام الصورة والحواس والتخطيط، والقسم الثاني هو الناقص عن هذه الأحوال كلها.
وروي عن علقمة عن ابن مسعود موقوفًا عليه قال: إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه وقال: أي رب مخلقة أو غير مخلقة فإن قال غير مخلقة قذفها في الرحم دمًا ولم تكن نسمة وإن قال مخلقة قال الملك: إي رب أذكر أم أثنى شقي أم سعيد ما الأجل ما العمل ما الرزق بأي أرض يموت؟ فيقال له: اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته والذي أخرجاه في الصحيحين عنه قال حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكًا يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فوَ الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل عمل أهل الجنة ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه بعمل أهل الجنة فيدخلها».
وقوله تعالى: {لنبين لكم} أي كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريف خلقكم ولتستدلوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادة وقيل: لنبين لكم ما تأتون وما تذرون وما تحتاجون إليه في العبادة وقيل لنبين لكم أنّ تغير المضغة إلى الخلقة هو اختيار الفاعل المختار فإنّ القادر على هذه الأشياء كيف يكون عاجزًا عن الإعادة {ونقر في الأرحام ما نشاء} أي لا تسقطه ولا تمجه {إلى أجل مسمّى} أي وقت خروجه من الرحم تام الخلق {ثم نخرجكم} أي وقت الولادة من بطون أمهاتكم {طفلًا} أي صغارًا وإنّما وحد الطفل لأن الغرض الدلالة على الجنس {ثم لتبلغوا أشدكم} أي كمال القوة والعقل والتمييز {ومنكم من يتوفى} أي قبل بلوغ الكبر {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} أي الهرم والخوف {لكيلا يعلم من بعد علم شيئًا} أي يبلغ من السن ما يتغير به عقله فلا يعقل شيئًا فصير كما كان في أول طفوليته ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم ثم ذكر دليلًا آخر على البعث فقال تعالى: {وترى الأرض هامدة} أي يابسة لا نبات فيها {فإذا أنزلنا عليها الماء} يعني المطر {اهتزت} أي تحركت بالنبات {وربت} أي ارتفعت وذلك أنّ الأرض ترتفع بالنبات {وأنبتت} هو مجاز لأن الله تعالى هو المنبت وأضيف إلى الأرض توسعًا {من كل زوج بهيج} أي من كل صنف حسن نضير والبهيج هو المبهج وهو الشيء المشرق الجميل ثم إنّ الله تعالى لمّا ذكر هذين الدليلين رتب عليهما ما هو المطلوب.
فقال تعالى: {ذلك} أي ذكرنا ذلك لتعلموا {بأن الله هو الحق} وإن هذه الأشياء دالة على وجود الصانع {وأنّه يحيي الموتى} أي إنه إذا لم يستبعد منه إيجاد هذه الأشياء فكيف يستبعد منه إعادة الأموات {وأنه على كل شيء قدير} أي من كان كذلك كان قادرًا على جميع الممكنات {وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور} أي ما ذكر من الدلائل لتعلموا أن الساعة كائنة لا شك فيها وأنّها حق وأنّ البعث بعد الموت حق قوله تعالى: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم} يعني النضر بن الحرث {ولا هدى} اي ليس معه من الله بيان ولا رشاد {ولا كتاب منير} أي ولا كتاب من الله له نور {ثاني عطفه} أي لاوي جنبه وعنقه متبخترًا لتكبّره معرضًا عما يدعى إليه من الحق تكبّرًا {ليضل عن سبيل الله} أي عن دين الله {له في الدنيا خزي} أي عذاب وهوان وهو أنه قتل يوم بدر صبرًا هو وعقبة بن أبي معيط {ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك} أي يقال له ذلك {بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد} أي فيعذبهم بغير ذنب والله تعالى على أي وجه أراد يتصرف في عبده فحكمه عدل وهو غير ظالم.